--------------------------------------------------------------------------------
هي أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب بن سعية ، من بني النضير ، من سبط لاوي بن نبي الله إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام ، ثم من ولد هارون بن عمران ، أخي موسى عليه السلام .
كانت مع أبيها وابن عمها بالمدينة ، فلما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير ساروا إلى خيبر ، وقُتل أبوها مع من قُتل مِن بني قريظة .
تزوجها قبل إسلامها سلام بن أبي الحقيق ، ثم خلف عليها كنانة بن أبي الحقيق ، وكانا من شعراء اليهود ، فقتل كنانة يوم خيبر ، وأُخذت هي مع الأسرى ، فاصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه ، فأعتقها وتزوجها، وجعل عتقها صداقها، وكانت ماشطتها أم سليم التي مشطتها ، وعطرتها ، وزفتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ففي الصحيح عن أنس قال : ( قدم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر ، فلما فتح الله عليه الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي بن أخطب وقد قتل زوجها وكانت عروسا، فاصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه ، فخرج بها حتى بلغنا سد الروحاء حلت فبنى بها ، ثم صنع حيساً- الأَقِطُ يخـلط بالتمر والسمن- في نِطع- وعاء من جلد- صغير ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آذن من حولك ، فكانت تلك وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية ، ثم خرجنا إلى المدينة . قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحوِّي لها وراءه بعباءة ثم يجلس عند بعيره ، فيضع ركبته ، فتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب ) رواه البخاري .
ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بخدها لطمة فقال: ما هذه ؟ فقالت : إني رأيت كأن القمر أقبل من يثرب، فسقط في حجري ، فقصصت المنام على ابن عمي بن أبي حقيق فلطمني ، وقال : تتمنين أن يتزوجك ملك يثرب ، فهذه من لطمته .
وكان هدف رسول الله صلى الله عليه وسلم من زواجها إعزازها وإكرامها ورفع مكانتها ، إلى جانب تعويضها خيراً ممن فقدت من أهلها وقومها ، إضافة إلى إيجاد رابطة المصاهرة بينه وبين اليهود لعله يخفف عداءهم ، ويمهد لقبولهم دعوة الحق التي جاء بها .
وأدركت صفية رضي الله عنها ذلك الهدف العظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووجدت الدلائل والقرائن عليه في بيت النبوة ، فأحست بالفرق العظيم بين الجاهلية اليهودية ونور الإسلام ، وذاقت حلاوة الإيمان ، وتأثرت بخلق سيد الأنام ، حتى نافس حبه حب أبيها وذويها والناس أجمعين ، وعند مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم تأثرت رضي الله عنها لمرضه ، وتمنت أن لو كانت هي مكانه ، فقد جاء في كتاب الإصابة، عن زيد بن أسلم قال: 'اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفى فيه، واجتمع إليه نساؤه، فقالت صفية بنت حيي: إني والله يا نبي الله لوددتُ أنّ الذي بك بي ، فتغامزت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال صلى الله عليه وسلم : والله إنها لصادقة ' .
كانت رضي الله عنها امرأة شريفة ، عاقلة ، ذات حسب ، وجمال، ودين ، وحلم ووقار رضي الله عنها ، ومن مواقفها الدالة على حلمها وعقلها، ما ذكرته كُتب السير من أن جارية لها أتت عمر بن الخطاب فقالت : إن صفية تحب السبت ، وتصل اليهود ، فبعث عمر يسألها فقالت : أما السبت فلم أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة، وأما اليهود فإن لي فيهم رحماً فأنا أصلها، ثم قالت للجارية: ماحملكِ على ما صنعت ؟ قالت : الشيطان قالت : اذهبي فأنت حرة .
عايشت رضي الله عنها عهد الخلفاء الراشدين، حتى أدركت زمن معاوية، حيث كانت وفاتها سنة خمسين للهجرة ، ودفنت بالبقيع .
فرضي الله عنها ، والحمد لله رب العالمين